نظم الفريق الاشتراكي بمجلس النواب ندوة وطنية بشراكة مع مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم، تناول فيها أكاديميون ومختصون موضوع : الثقافة والتنمية : رهان التطور والتحديث. وفي بداية الجلسة الافتتاحية للندوة، أكد رئيس الفريق الاشتراكي، الأستاذ شقران أمام، في كلمته الترحيبية، على أن بلادنا تعرف نقاشا اليوم حول النموذج التنموي الجديد والمسألة الثقافية التي يجب أن تكون صلب هذا النموذج، وأنه لا يمكن تصور أي تنمية بعيدا عن الثقافة كركيزة أساسية لأي تحول اقتصادي واجتماعي.
وأوضح أن المسألة الثقافية تهم ما هو اجتماعي واقتصادي و فكري و خاصة ما هو تربوي، فهي تؤثر وتتأثر بما يقع من تحولات داخل المجتمعات و تساهم في بناء الحضارات، مبرزا أن الفعل الثقافي اليوم في السياسات العمومية التي تتخذها الحكومات يجب أن يدخل في صلب أي تطور أو تصور ممكن خاصة في بعده الثقافي والإنساني، لأن الثقافة هي الحياة يقول المتحدث.
وبالمقابل أوضح السيد محمد الدرويش رئيس مؤسسة فكر، أن تنظيم هذه الندوة يأتي في سياق ما يعرفه المغرب خاصة النموذج التنموي الجديد، مشيرا أن التنمية لا يمكن اختزالها في الاقتصاد بل يجب التفكير في الثقافة والنهوض والعناية بها. وأبرز أنه يجب استحضار كذلك ما تعرفه الساحة الثقافية، بالتزامن مع حدث كبير هو تنظيم المعرض الدولي للكتاب والنشر في دورته السادسة والعشرين بالدار البيضاء، الذي يشكل واجهة بارزة من واجهات المشهد الثقافي المغربي أمام العالم، نظرا لما يَفِد عليه من فاعلين ثقافيين أجانب، دبلوماسيين وكُتابا وإعلاميين.
واعتبر السيد محمد الدرويش في كلمته، أن ابتعاد السياسي عن المثقف يؤدي الى قطيعة في العلاقة بينهما، عكس ما يجب أن يكون من تلاقي وترابط بينهما بطريقة تكاملية، داعيا إلى إعطاء الثقافة أهميتها في إطار معالجة شمولية للنهوض وتجاوز العجز البنيوي الذي يعرفه المجتمع.
ووجه المصدر ذاته، نداء الى كل المثقفين للقيام بأدوارهم والعودة الى الساحة وأخذ المبادرة في إطار النموذج التنموي الذي تعرفه بلادنا. داعيا الأحزاب السياسية وخاصة اليسارية منها إلى حمل هم الثقافة وإعادة المثقف الى أدواره الحقيقية مع السياسي في تناغم وانسجام تام. وبالمقابل، أشارت النائبة البرلمانية، السيدة السعدية بنسهلي، عضو الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، و عضو لجنة التعليم والثقافة والاتصال، إلى أنه يجب إذكاء نقاش حر ونزيه حول إشكالية أساسية، ما حدود العلاقة بين التنمية والثقافة؟ بالنظر الى التغيرات التي يشهدها العالم اليوم من العولمة والرقمنة والثورة التكنولوجية التي تستفز فينا روح التساؤل حول أهمية الثقافة.
وأضافت أن الثقافة هي كل مركب وهي مجموعة من القيم والعادات والسلوكيات والتقاليد التي يعيش عليها كل مجتمع، مبرزة أن الاتحاد الاشتراكي في استراتيجيته النضالية اعتبر بأن الثقافة مسألة أساسية في البناء الديمقراطي لأنها تحيي الوعي السياسي وتحافظ على الديمقراطية، فهي ضرورية اليوم لأجل التنمية وحقوق الانسان.
وخلال جلسة المداخلات التي عرفت مشاركة أكاديميين وأساتذة، قارب كل واحد منهم المسألة الثقافية من زوايا متعددة اقتصادية واجتماعية وحقوقية كذلك، حيث تطرقت الأستاذة زهور كرام إلى الهندسة الثقافية كرافعة للتنمية الاقتصادية معتبرة أن الثورة التكنولوجية كان له وقع كبير على الانسان خاصة في نمط تفكيره، فالثقافة اليوم تعد بديلا ضروريا لإدخالها في البرامج الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، فهي بديل على مستوى التحول الاقتصادي ” اقتصاد المعرفة”.
وأشارت المتحدثة إلى أن هناك تحول على مستوى المعجم حيث أصبحنا نتحدث بثقافة المشاريع وثقافة الابتكار ” التجارة الالكترونية” اذ نحتاج إلى حقول معرفية جديدة كالهندسة الثقافية التي تعتبر طرق وأدوات بيد مختص يجيد حل المشاكل التي تطرحها الثقافة، وتتضمن عدة مرتكزات بينها العنصر الاقتصادي والمالي، والمسألة الإدارية، والعنصر السياسي والاجتماعي.
وأكد عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، السيد حسن نجمي في مداخلته بعنوان في حاجة إلى استراتيجية ثقافية وطنية، أن هناك سياسة ثقافية وليست استراتيجية ثقافية، فالحديث اليوم عن النموذج التنموي وتركيبة اللجنة لا تعبر عن البعد الثقافي بالقدر الذي يطغى الطابع التقني على الرؤية التنموية الجديدة.
وذكر نجمي، أنه في عهد حكومة عبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد كانت هناك استراتيجيات ثقافية، وما عدا ذلك كانت هناك استراتيجيات استعمارية، فاليوم ومنذ سنة 2000 بدأ الحديث عن المخططات، فنحن في حاجة إلى رؤية ثقافية لبناء مشروع تنموي جديد قريب للمغاربة وفي مستوى يليق بالمغاربة يضيف نجمي.
وأبرز أنه ليس هناك تجميع للمسألة الثقافية، بالقدر الذي يوجد تشتت على كل القطاعات الحكومية كالمسرح مثلا، فالثقافية يقول نجمي “كامنة في كل ممارسات الأفراد والمجتمع فهي اللحمة المرتبطة بالشخصية المغربية وبالنظام القبلي والحياة”، مشيرا إلى أن تفكيك الحقل الثقافي أدى إلى ما هو عليه المجتمع اليوم من اختلالات وممارسات وتراجعات معرفية وقيمية و ايديولوجية، اذ نحتاج إلى لحظة تركيب وتجميع و الحرص على المستقبل.
وتحدث السيد ادريس بنسعيد على أن الثقافة السياسية التي عودتنا على مجموعة من الأليات وثقافة الرفص حسب تعبيره، اذ نناقش قضايا عامة دون أن نعلمها بالضبط ويشوبها الغموض كمفهوم التنمية اليوم.
واعتبر أن التنمية مفهوم شامل اذ لا يجب التركيز على تطوير جزء منه فقد يؤدي ذلك إلى تفكك المجتمع، موضحا أن القواعد الدستورية التي حملها دستور 2011 يجب التركيز عليها لبناء الثقافة والتنمية كمبادئ التعدد وضرورة التبادل المعرفي والثقافي بين الحضارات والانفتاح وحقوق الانسان.
ومن جهة أخرى، اعتبر الأستاذ أحمد عصيد أنه لا يمكن للنموذج التنموي أن ينجح إلا بتوافر 3 مرتكزات أساسية و ضرورية.
واستعرض المتدخل في مداخلته بعنوان “العوامل الثقافية للتنمية: عن الخصوص والرمزي في البناء الديمقراطي” المرتكزات الثلاث المتمثلة في الانتقال من نموذج الدولة إلى نموذج اخر متطور لأن الأول يغفل متطلبات المجتمع و هو نموذج تقليدي، بالإضافة إلى انهاء السلطوية في المغرب لبناء النهضة و التنمية كمرتكز ثان، فضلا عن إعادة تشكيل الوعي الوطني و روح الوطنية وبناء التعليم كمدخل أساسي في المرتكز الثالث.
وذهب السيد محمد اكديرة، إلى الحديث عن الرياضة كثقافة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، متسائلا عن العلاقة بين الرياضة والثقافة؟. وذكر المتحدث، أن الثقافة في نفس الوقت شاملة ومشتركة وقابل للتنقل وقابلة للتطوير شأنها شأن الرياضة، فالثقافة هي نتيجة علمية وعملية للسلوكات والعادات، والرياضة ترسيخ للمشاعر والانتماء للإنسانية وإرساء قيم السلم والتضامن وتمرير الأسس الأخلاقية يقول بنسعيد. وكشف، أن قطاع الرياضة يخلق أكثر من 2 بالمئة من الناتج الداخلي العالمي ويوفر مثلا 21.000 فرصة عمل بدولة فرنسا، مؤكدا على أن الرياضة هي ثقافة ويؤثر على النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية فهي اشعاع للأمم و أداة لحل الخلافات الدولية فهي جزء من الديبلوماسية.
وعرفت الندوة تكريم الأستاذ محمد سبيلا كاتب والمفكر الذي اهتم بالدرس الفلسفي واشتغل على سؤال الحداثة والدولة المدنية و”عقلنة” الخطاب الديني، وغيرها من القضايا التي شغلت المجتمع المغربي، بينها المسألة الثقافية، حيث قدم التذكار الأستاذ عبد الواحد الراضي.
وشهدت الندوة حضورا نوعيا وكميا من كُتاب وباحثين في الحقل الثقافي وفاعلين سياسيين، بالإضافة إلى العديد من الفنانين المغاربة الذين تفاعلوا مع مداخلات الأساتذة التي همت بالأساس الثقافة والتنمية.
تعليقات الزوار ( 0 )